الثلاثاء، 15 فبراير 2022

ماهية القلق والموت في فلسفة هايدغر


استطاع هايدغر ان يوضح من خلال كتابه الوجود والزمان ظاهرة القلق باعتبارها حالة وجدانية تشعر بها الانية إزاء ظاهرة الموت وذلك من خلال العدم باعتباره تفصيلا قلقا بإزاء الموت، والآنية وجود لأجل الموت وهي بهذا الأصل العدم وأساسه، ويتم الكشف عن هذا العدم عن طريق القلق وما من سبيل إلى تبديل حضور العدم سواء في وجودنا أو موتنا والذي يتعذر تجنبه، فالآنية تدرك تناهيها عندما تفكر في امكانياتها الخاصة وتعرف انها سائرة الى الموت او الى العدم ولا يقارن هذا الشعور الموحش بأي تجربة اخرى تمر بها الآنية لان كل تجاربها الاخرى يلعب فيها الزمان دورا اساسيا يقوم على استمرار الوجود الماهوي في العالم.

 والأمر يختلف في حالة الموت أو في الادراك الخالص  للوجود الماهوي في العالم، حيث تدرك شيئا مختلفا مغايرا تماما لأي تجربة يسمى العدم، ولا يمكن للعدم أن يكون أي موضوع لخبرة واقعية، ورغم أنه  ليس بديلا عن تجربة الموت وكما  يختلف عن تجربة الاحتضار أو الألم الناجم عن انتزاع الحياة، فهذه الأمور تقع في مجال خبرانا وتثير بداخلنا الشعور بالخوف، ولكن الوعي بإمكان عدم الوجود أمر مختلف تماما، وفي العدم تفتقر الانية للأساس و تبلغ أوج وجودها في الموت الذي هو هاوية أخرى للعدم ومع ذلك فوجودها الحقيقي إنما هو توضيح للوت والعدم .

إذا تتبعنا هذه العلاقة المتداخلة بين الموت والعدم والقلق يلح علينا إشكال أساسي وهو ما موقع الانسان في هذا العالم ؟

قبل كل شي لا يجب أن ننسى أن العالم لا يحدث إلا بالنسبة للإنسان لكن ليس بمعنى العالم موضوع للإنسان إن هايدغر حاول يفكر في العالم منذ "الكون والزمان" خارج ثنائية الذات والموضوع، فليس العالم موضوعا كما أنه ليس وعاءا يضم كل الموضوعات، إن تحدبد العالم بهذه الكيفية يعني ببساطة أن الانسان لا ينتمي للعالم بكيفية أصلية في حين أن التحديد الأساسي للكينونة منذ الكون والزمان هو أنه كون في العالم.

 لكن يجب أن ننتبه كذلك الى أن هايدغر لا يحدد الانسان هنا كما اعتاد التقليد الفلسفي كحيوان عاقل، ان الاسم الذي يتخذه الانسان هنا هو الفاني، وتجدر الاشارة في هذا السياق ألى أن هايدغر في كتابه "الوجود والزمان" يحدد الانسان ككون للموت لكن الموت لا يفهم هنا كحد ينتهي عنده وجود الانسان طالما كان موجودا، لإن إمكانية الموت تنتمي في كل حين إلى الانسان ككون ممكن، لكن في الوجود الزائف يتم تجنب الموت امكانية الموت والهرب منها إلى ضجيج الحياة اليومية وصخب مهامها المتلاحقة.

 أما الوجود الأصلي فيأخذ هذه الإمكانية مأخذ الجد، إنه يتقبل الكون المميز للإنسان ويتحمله ولا يعني تحمل الموت التركيز عليه وانتظاره والتخلي عن امكانيات الوجود اليومي، بالعكس أن تقبل الموت وتحمله يحث الانسان أن يستجمع ذاته ويفهم وجوده ككون ممكن، وبذلك فإن إمكانية الوجود اليومي المرتبطة بوضعيات محددة لا تفقد أهميتها بل إنها تكتسب دلالة مضاعفة وأن الانسان بفضل تعرضه للموت يكون مفتوحا لتجربة الإنسحاب والإختفاء، وبناءا على ذلك يستطيع أن يفهم الكون وأن ينفتح له.

 وإن الانسان كفان يحتضن ماهية الكون،  فالموت هو دولاب العدم أي الانسحاب الذي يحدثا كسرا لماهية الكون.

0 التعليقات :

إرسال تعليق

عربي باي