يعتبر الفيلسوف الامريكي وليام جيمس من أبرز الفلاسفة البرغماتيين من خلال مؤلفاته القيمة مثل "مبادئ علم النفس" "إرادة الاعتقاد" "أنحاء من التجربة الدينية" ثم كتابه المشهور في "الفلسفة العملية" و"معنى الحقيقة سنة 1909" اهتم بجميع المعارف وقد زار جميع البلدان الاوروبية ودرس الطب والطبيعة كما اشتغل بعلم النفس والفلسفة.
إذا نظرنا الى فلسفة وليام جيمس بصفة عامة فإننا نلاحظ أنها عبارة عن فلسفة
تجريبية متطرفة تريد أولا وقبل كل شئ أن تعمل على مناهضة النزعات المثالية، التي أسقطت
في التفكير المجرد حتى انقطعت صلتها بالواقع، أي أنها تريد تفسير شتى الموجودات بالرجوع
إلى مبدأ عقلي واحد.
فالعالم حسب وليام جيمس هو عبارة عن حقيقة مرنة غير مكتملة يمكن وضعها
بالتعدد والتغيير والحركة المستمرة، ومن هنا فإن لفلسفة جيمس طابعا زمنيا يجعل
منها فلسفة فعلية تؤمن بأن المستقبل مفتوح دائما openness of the futureأعني أن العالم
ليس مكونا بل هو في دور التكوين in the making
جيمس يرفض تلك الفلسفات المطلقة التي تقول بالثبات أو الجواهر الثابتة، لأنه
يرى أننا نحيا في عالم متغير لا سبيل إلى تشبيهه بعالم المثل أو الصورالمحضة التي
لا تعرف التغير أو الصيرورة أو الزمان، والحقيقة الواقعية كما يراها جيمس هي في
صميمها قوة ونزوع وفعل.
ومادام العالم كما يراه جيمس هو عبارة عن مجموعة من الجزيئات فلابد من
التعليق الجزئي، بدلا من الاقتصار على النظر إلى الكليات ومن هنا نجد أن الفلسفة
العملية تريد أن تتعلق بالمشخص بدلا من أن تكتفي بالنظر إلى المجرد، لأنها
ترى أن الصفة المميزة للفيلسوف هي أن يهتم بالمدركات لا بالمفهومات أوالتصورات، والواقع
أن الفيلسوف العملي أو البرغماتي إنما هو ذلك الذي يقترب من الأشياء وينظر إليها
عن كثب بدلا من أن يحلق في أجواء الفضاء كما يفعل الفيلسوف الواحد الذي ينظر إلى
علياء سمائه، فيراها تختلط بعضها ببعض بدلا من أن يرى كل شئ على حدة في وضوح وتميز.
والفلسفة العملية بهذا المعني هي
فلسفة اسمية تجزئ الواقع وتحلله بعكس تلك
المذاهب المطلقة التي تؤمن بأن هناك حقيقة كلية شاملة، وتبعا لذلك فإن الفلسفة
العملية تؤكد أننا نستطيع أن نعرف جوانب مختلفة من الواقع أو أجزاء متعددة من
الوجود الخارجي دون أن نحيط علما بكل ذلك الواقع أو بوحدة ذلك الوجود الخارجي العام،
ولكنا إذا أردنا أن نسلم بأن مثل هذه المعرفة الجزئية ممكنة، فلا بد لنا أيضا من أن
نسلم بأن أجزاء الواقع مستقلة بعضها عن بعض، وهنا تتمثل الفلسفة العملية على شكل
مذهب واقعي، يقول بأن الأشياء مستقلة عن العقل المدرك، وأن ثمة واقعا تشيع فيه
الكثرة والتعدد، وأن بين الأشياء من الاستقلال ما يجعل العلاقات خارجية عن الحدود،
وبعبارة أخرى فإن الفلسفة العملية تقول بأن الروابط الموجودة بين الأشياء قابلة
للتغير باستمرار، لأن من الممكن للأشياء أن تنتظم في علاقات جديدة في أي لحظة من اللحظات،
فتترك بذلك علاقاتها القديمة وتقيم مع غيرها من الاشياء روابط أخرى جديدة.
ومادام الزمان موجودا حقا ومادامت
الصيرورة موجودة حقا، فإنه لابد للعلاقات الكائنة بين الأشياء من أن تخضع للتغير
والزمان والصيرورة، وهكذا يمكننا أن نقول أن المزاج العملي هو ذلك المزاج التجريبي
الذي يؤثر النظر إلى الأشياء والواقع بدلا من النظر إلى المبادئ أو المقولات
العقلية، يميل هو إلى الاهتمام بالأجزاء والجزئيات وبهذا المعنى يصح أن نعد
الفلسفة العملية فلسفة تجريبية تحليلية تتعلق بالوقائع وتميل إلى القسمة والتجزئة.
وعلى الرغم من أن جيمس يسلم بأن كل واقعة تمثل في ذاتها كلا مجسما قائما بمفرده
فإنه مع ذلك لا يسلم مطلقا بفكرة الكل مجرد، بهذا أراد أن يعيد للظواهر حقها
المسلوب، فنراه يقرر أن ما يبدو أو يظهر ليس مجرد وهم أو خداع، بل هو حقيقة واقعة،
وهو إذا كان يأخذ بمذهب التعدد فنحن الأشياء تتعاقب بعضها وراء بعض الآخر، وليس
هناك ما يبرر عدم الأخذ بظاهر الأشياء.
0 التعليقات :
إرسال تعليق